بين الواقع والطموح: القارة الإفريقية تختبر فعالية سياسة الحد من المخاطر

كتب ابراهيم احمد
في ظل الجهود المستمرة للحد من مخاطر التدخين التقليدي، تتزايد الدعوات من قبل الأطباء والخبراء حول العالم إلى اعتماد بدائل خالية من الدخان، مثل أكياس النيكوتين، والسجائر الإلكترونية، والتبغ المسخن، كخيارات أقل ضرراً على المدخنين البالغين. يأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد معدلات الأمراض غير المعدية، التي تهدد صحة الأفراد واستقرار المجتمعات. وتواجه القارة الأفريقية تحديات متزايدة في هذا السياق، مما يؤكد الحاجة إلى تعزيز التعاون بين الدول والمؤسسات لتبنّي سياسات صحية فعالة تستجيب لطبيعة المخاطر المتعددة.
وفي هذا الإطار، شهدت المنطقة العربية والأفريقية عدداً من المبادرات الدولية التي تهدف إلى مناقشة استراتيجيات “الحد من المخاطر”، والتي من أبرزها “المناظرة الإفريقية الأولى للحد من المخاطر الصحية”، التي نظّمتها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في المملكة المغربية بالتعاون مع جمعية طب الإدمان والأمراض ذات الصلة. وجمعت الفعالية، التي أُقيمت في مدينة الدار البيضاء تحت رعاية الملك محمد السادس، أكثر من 100 خبير ومتخصص من 50 دولة حول العالم، في محاولة لصياغة مقاربات صحية أكثر شمولًا واستدامة لمواجهة التحديات الصحية المتفاقمة في القارة.
وقد ركز المؤتمر على تطوير السياسات الصحية وتعزيز الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة، مع ضمان عدالة توزيع الخدمات الطبية، إلى جانب تسليط الضوء على أهمية الابتكار واعتماد التكنولوجيا الحديثة لتحسين الأداء الصحي، في ظل القيود التي تواجهها الأنظمة في العديد من الدول الأفريقية. وقد حظي المؤتمر باهتمام لافت، وأبدى بعض المتخصصون عن ترقبهم لإعادة المملكة المغربية تنظيم نسخته الثانية خلال العام الجاري، الأمر الذي يعكس جدية الطرح ونجاح التجربة الأولى.
في هذا السياق، أكد الدكتور غاريت ماكغفرن، أخصائي علاج الإدمان والمدير الطبي لعيادة بريوريتي الطبية في دبلن، ” أن سياسة الحد من المخاطر هي أساس كل ما نقوم به في مجال الطب، حيث نركز على تقليل الأعراض بدلاً من العلاج التام. فهناك القليل من الأمور في الطب يمكن علاجها بشكل كامل، لذا، فإن الوقاية وتقليل الأذى يمثلان الخيار الأكثر واقعية.” وأضاف منتقدًا موقف بعض المؤسسات العالمية: “موقف منظمة الصحة العالمية (WHO) السلبي تجاه سياسة الحد من مخاطر التبغ يفتقر إلى الأدلة، ويزيد من المخاطر على الأشخاص الذين يدخنون.”
ومن جانبه أكد عالم النفس السريري المرموق، البروفيسور كارل فاغرستروم، على المنطق الكامن وراء تبني استراتيجيات الحد من المخاطر، مشيرًا إلى أنه “عندما يصبح العلاج الكامل أمرًا غير ممكن، فإن الخيار الأكثر مسؤولية هو تقليل الضرر قدر الإمكان.” موضحاً أنه “ينبغي تزويد الأفراد الذين يسعون للإقلاع عن التدخين بخيارات بديلة أقل خطورة، مثل السجائر الإلكترونية ومنتجات التبغ المسخن. وبالمثل، يجب تشجيع أولئك الذين لا يرغبون أو لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين على التحول إلى هذه البدائل التي تنطوي على مخاطر صحية أقل.”
وقد أثبتت الدراسات العلمية أن منتجات النيكوتين الخالية من الدخان، مثل السجائر الإلكترونية والتبغ المسخن وأكياس النيكوتين، تُعد بدائل أقل خطورة من تدخين السجائر التقليدية لإقصائها الحرق. وقد أثبتت فعاليتها في تقليل المخاطر الصحية وتشجيع المدخنين البالغين على الإقلاع التدريجي. وبينما يُعتبر النيكوتين مسببًا للإدمان، إلا أن الدخان الناتج عن الاحتراق هو السبب الرئيسي للمخاطر الصحية. لذلك، فإن تبني بدائل مبتكرة يُمثل خطوة جوهرية نحو تعزيز صحة الأفراد والمجتمعات. ومع ذلك، يبقى الخيار الأفضل لأي مدخن هو الإقلاع عن التدخين واستخدام النيكوتين بشكل أقل خطورة.